تبادل سينمائي بين فرنسا والمغرب العربي: الخطابات والانتاج والإبداع

مقدّمة

 

تعود بذور التبادل السينمائي الأوّل بين فرنسا وبلدان المغرب العربي إلى السنة 1896 بعد مضي عام على اختراع السينما. وفي المستعمرة والمحميتين، التقطت مشغلات الأخوين لوميير وجهات نظر مختلفة ووعدت المشاهديت بتجربة سينمائية لا مثيل لها. فاكتشف جمهور مدينتي جزائر العاصمة ووهران حيث كان السكان الأصليون يشكلون أقليّة أو غير موجودين[i]، سحر هذه الآلة العلمية التي تنقل الواقع فتستحيل مصنعاً عملاقاً يصدّر الأحلام[ii]. وفي السنة التالية عرضت أفلام أخرى في تونس العاصمة وفي القصر الملكي في فاس ما شكّل ولادة مرحلة جديدة من عملية تربط بإحكام ضفتيّ المتوسط. وهيمنت سينما الاستعمار لعقود من الزمن على المشهد السينمائي وقامت بمحاولة ساذجة لنقل[…] واقع مشوّه[…] ما ولّد موجة من السخرية في الصالات الشعبية داخل فرنسا"[iii] وأنتجت أفلام قدّمت قصص منمّطة. ولكن، ثار على تلك الصور السينمائيّون الذين بقوا في المغرب العربي أو أولئك الذين غامروا في الهجرة على ضفة المتوسط الشمالية ما إن طوّرت هذه البلدان المستقلّة حديثاً فناً سينمائياً خاصاً بها.      
                                   
 
يلقي هذا التقرير عن السينما الجزائرية الضوء على الرغبة الأصيلة في مكافحة الصور كافة التي تعتبرها سينما الاستعمار مهينة. ويستعرض سريعاً التّيارات الفنية الأولى التي عرفتها السينما الجزائرية ويشير إلى بصمة السينمائيين المناهضين للاستعمار أمثال رينيه فوتييه.
 
ولكن، كيف استخدم الكتّاب المغاربة العرب السينما، هذه التكنولوجيا التي أبصرت النور في فرنسا وذاع صيتها في البلدان الغربية؟ سرعان ما سخّر الجزائريون والتونسيون أكثر من المغاربة السينما حتّى يثبتوا هويّتهم الخاصة إلا أنّها لم تستطع أن تتحرّر إلا لفترة قصيرة من قبضة القوّة الاستعمارية القديمة، وشهدت فرنسا حركة معاكسة. وعلى مرّ العقود، ظهر الأثر الكبير الذي تركه المهاجرون المغاربة العرب وأبناؤهم على المشهد السينمائي، ولم يمض وقت طويل قبل أن يسطع نجمهم ويصعدوا سلّم النجومية.
 
وهي لحظات تحوّل وتداخل وتفاعل في مسيرة فرنسا وبلدان المغرب العربي المتقاطعة تظهر جلية بفضل عوامل ثلاثة خاصة بالفن السابع ألا وهي خطاب يتناول علاقات المغرب العربي وفرنسا ونظام انتاج يُعنى بالأفلام الطويلة فضلاً عن قوّة إبداعية تحرّك هذه الروائع الفنية. فتبدو السينما إذاً إنتاجاً ثقافياً بمقدوره تجسيد بعض مظاهر الحركة بين فرنسا والمغرب العربي ما بعد الحقبة الاستعمارية. فتتشابك أنظمة الإنتاج وتتداخل وتتشابه حتى. وعندما نُشرت "قوانين الذاكرة" في فرنسا والجزائر في أواسط العام 2000، شكّلت السينما مرآة للعلاقات المحتدمة بين سلطة الوصاية القديمة والمستعمرة القديمة. ألا تشكّل السينما فجر واقع وهمي يسبح في فضاء المتوسط نظراً لأنّها تتخبط بين الهيمنة الثقافية والمقاومة وبين التأثيرات المتبادلة والإبداعات الهجينة؟


[i]فيولا شفيق، "السينما العربية. تاريخ وهوية" Arab cinema. History and cultural identity ، الجامعة الأميركية في القاهرة، 2007
[ii] ادغارد مورين، السينما أو الرجل المتخايل، دراسة انترولولوجية Le cinéma ou l’homme imaginaire. Essai d’anthropologie ، دار Editions de Minuit  للنشر، 1956
[iii] رشيد بوجدرة، ولادة سينما جزائرية Naissance du cinema algérien، دار Maspéro  للنشر، 1971.
 

مقدّمة

I- خطابات متداخلة عقب الاستقلال...

II- تشابك نظم الإنتاج: 1984-2000

III- اللبس المتعلق بالإنتاج الم...

IV- بين أوهام مشتركة وصراع الذاكرة

الخاتمة

المراجع

ملخص

تعود بذور التبادل السينمائي الأوّل بين فرنسا وبلدان المغرب العربي إلى السنة 1896 بعد مضي عام على اختراع السينما. وفي المستعمرة والمحميتين، التقطت مشغلات الأخوين لوميير وجهات نظر مختلفة ووعدت المشاهديت بتجربة سينمائية لا مثيل لها. فاكتشف جمهور مدينتي جزائر العاصمة ووهران حيث كان السكان الأصليون يشكلون أقليّة أو غير موجودين ، سحر هذه الآلة العلمية التي تنقل الواقع فتستحيل مصنعاً عملاقاً يصدّر الأحلام ...

كاتب

Gaertner Julien
باحث في مرحلة ما بعد الدكتوراه، مؤلف أشرطة وثائقية، معهد الدراسات السياسية بباريس Université Nice-Sophia Antipolis