الشراكة الأورومتوسّطية وتشكيل تراث تلفزيوني في المتوسّط (2000-2013)

مقدمة

ينبع المتوسّط ككيان سياسيّ وثقافيّ من ترسّبٍ تاريخيّ طويل نجم عن تصوّر فرديّ لتشارك الفضاء المتوسطيّ. يرتكز تجسيد العالم المتوسطيّ أو العوالم المتوسطيّة بشكل أساسيّ إلى البلدان المعنية وإلى الفترات المدروسة. فمن منظور فرنسا وأوروبا، اكتسب هذا الفضاء في الآونة الأخيرة مكاناً جوهرياً في الرّهانات السياسيّة والاقتصاديّة والدبلوماسيّة. ويتردّد صدى قضايا حقوق الإنسان أو النّزاعات الدولية على مستوى العالم برمّته. كما وأنّ حركة الناس اليومية والهجرية والسياسية تستحدث منطقة تلاقٍ أساسيةٍ بين الجنوب وأوروبا. ويضيف الإنسجام بين الديانات السماوية الثلاث (المسيحية والإسلام واليهودية) أو الاختلافات بينها ناهيك عن الحضارات المتعاقبة طابعاً رمزياً مهمّاً في هذا الفضاء.
فضلاً عن ذلك، سعت الأجهزة الدولية مثل الشراكة الأورومتوسّطية (يوروميد) أو الاتّحاد من أجل المتوسّط إلى مواجهة التحدّيات المحتملة لهذا البحر المتوسطيّ الذي يُعتبر حدوداً فاصلةً. وسلّطت الأبحاثُ[1] الضّوءَ على الرّهانات "التقليديّة" المهمّة وبرهنت وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية أنّ دورها محوريّ في هذه المعادلة ولاسيّما في ضوء "الثورات العربية" الأخيرة. وبفضل الشراكة الأورومتوسّطية أبصر النورَ مشروعان لحفظ الأرشيف السمعي البصري الخاصّ بتلفزيونات المتوسّط المحليّة ونشره. فقد أتاح مشروعالشبكة المتوسّطية لأرشيف التلفزيونات الرسمية CapMed إنقاذ الأرشيف التلفزيوني لإثني عشر بلد متوسطيّ في طور الاختفاء بسبب تدهور الوسائط. في هذا السياق، كان من الضروري ترقيم الأرشيف بغية حفظه ووضعه في متناول المحترفين.
وترافقت عملية ترقيم الأرشيف مع دورات تدريبية لأمناء التوثيق أو لتقنيي الصورة في مراكز أرشيف التلفزيونات المشاركة في المشروع. ولد مشروع الذاكرة السمعية البصرية الأورومتوسطية، ماد مام العام 2009، وتمّ اطلاقه في مدينة مارسيليا في شهر أكتوبر/تشرين الأوّل 2012، وعرضه على الصحافة الدولية والاتّحاد الأوروبي رسمياً في الرباط Rabat وفاس Fès، في شهر يناير/كانون الأوّل من العام 2013. وقد هدف إلى استحداث موقع إلكتروني مجانيّ يزخر بمقالات ومواد تستند إلى مجموعة مختارة من أرشيف تلفزيونات بلدان المتوسط على غرار جدارية المعهد الوطني السمعي البصريINA التفاعلية من نوع منارة لتاريخ الزمن الحاضر Jalons pour l’histoire du temps present[2]. أصبحت هذه المشاريع بفضل طريقة عملها، مكان تقاطع الإشكاليات المرتبطة بالذاكرة والمؤسّسات والسياسات والجامعات. وهي طبعاً تراهن على ظهور فضاء سياسي متوسطي وإدارك أهمية التراث التلفزيوني في هذا الفضاء، وتساهم أيضاً في رسم سياسات ودراسات يشار إليها أنّها متوسطية.


[1] يستند هذا النصّ إلى الأعمال التي قام بها القطب الأورومتوسطي في الدار المتوسطية لعلوم الإنسان Pôle Euromed de la Maison Méditerranéenne des Sciences de l’Homme. ينسّق القطب نشاطات شبكة التميز لمراكز البحوث في العلوم الإنسانية في المتوسط (رامسيس 2) Réseau d’Excellence des centres de recherche en sciences humaines sur la Méditerranée. تجمع هذه الشبكة الدولية للبحوث في العلوم الإنسانية والاجتماعية 33 مؤسّسة بحوث ومختبرات مختلفة تابعة للمركز الوطني للبحث العلمي CNRS في الفضاء الأوروبي المتوسطي. تنرج هذه الشبكة في إطار السياسة الأوروبية للبحوث (البرنامج الإطار السادس للبحث و التنمية)، وقد موّلتها على مدى أربع سنوات المفوّضية الأوروبية بمبلغ وقدره 3.4 مليون يورو. وإنّ الدار المتوسطية لعلوم الإنسان في إيكس بروفانس هي المؤسسّة العلمية التي تضطلع بتنسيق أعمال الشبكة. وتعتبر شبكة رامسيس 2  شبكة تميّز في السياسة الأوروبيّة للبحوث، وتهدف إلى تشكيل حقل جديد من الدراسات والتحاليل المقارَنة ألا وهو حقل الدراسات المتوسطية الذي يجمع تحت طيّاته تخصّصات عدّة منها علم ​​الآثار والتاريخ ودراسات النصوص القديمة والاثنولوجيا وعلم الاجتماع والعلوم السياسية وغيرها. وتعزيز الإندماج هو الغرض من تشكيل شبة التميّز هذه ضمن إطار السياسة الأوروبيّة للبحوث. فمن خلال شبكة رامسيس2 يصبح ممكناً تشكيل فضاء أورومتوسطيّ للبحوث وتشجيع نمط "العمل سوياً" على مستوى مستدام بين المؤسسات العلمية التي تتألّف منها هذه الشبكة."http://ramses2.mmsh.univ-aix.fr/Actualites/A-la-Une.htm. تتاح هذه الشبكة في إطار مشروع مختبر التميّز لابيكس Labex الذي تشرف عليه الدار المتوسطية لعلوم الإنسان:labexmed.mmsh.univ-aix.fr/
 
 
 
 
[2] الرابط الإلكتروني: http://www.ina.fr/fresques/jalons/accueil
 

مقدمة

التراث التلفزيوني في الشراكة ال...

حفظ الأرشيف السمعي الصري على شب...

خاتمة

ملخص

ينبع المتوسّط ككيان سياسيّ وثقافيّ من ترسّبٍ تاريخيّ طويل نجم عن تصوّر فرديّ لتشارك الفضاء المتوسطيّ. يرتكز تجسيد العالم المتوسطيّ أو العوالم المتوسطيّة بشكل أساسيّ إلى البلدان المعنية وإلى الفترات المدروسة. فمن منظور فرنسا وأوروبا، اكتسب هذا الفضاء في الآونة الأخيرة مكاناً جوهرياً في الرّهانات السياسيّة والاقتصاديّة والدبلوماسيّة. ويتردّد صدى قضايا حقوق الإنسان أو النّزاعات الدولية على مستوى العالم برمّته. كما وأنّ حركة الناس اليومية والهجرية والسياسية تستحدث منطقة تلاقٍ أساسيةٍ بين الجنوب وأوروبا. ويضيف الإنسجام بين الديانات السماوية الثلاث (المسيحية والإسلام واليهودية) أو الاختلافات بينها ناهيك عن الحضارات المتعاقبة طابعاً رمزياً مهمّاً في هذا الفضاء...

كاتب

Crivello Maryline
أستاذ جامعي و بروفسور التاريخ Université d'Aix-Marseille, TELEMME, MMSH