- Silence

- بعدما تمّت إسالة الكثير من الحبر، تمكنّت هذه الجدران التّي ضلّت لوقت طويل موضوع لعبة سياسيّة بين وزير عنيد ورئيس بلدية معتني بمدينته في الحاضر كما في الماضي من إلى إيجاد الهدوء الذّي تستحقّه

- صحيح أنّ هذه الأطلال ليست عاديّة. وعلى الرغم من أنّ الخرسانة قد أتت على مساحة كبيرة منها، إلاّ أنّ ما تبقّى له من الأهميّة الكثير في فهم تاريخ وتطوّر مدينة مرسيليا

- هذه المدينة التّي يصل عمرها إلى 25 قرنًا والقادرة على منافسة معظم المدن المرموقة في العالم القديم، أي باختصار كل العالم

- Silence

- ما يمكن أن نقوله هو أنّ المدينة القديمة التّي تتناسب مع هذه الأسوار التّي تتواجد فيها فتحات هي مدينة حقيقيّة. وهي مدينة كبيرة للغاية من نفس حجم قرطاج أو روما أي تبلغ مساحتها حوالي 60 أو 80 أو 90 هكتارًا

- وفي الوقت الحالي، هذه المساحة لو تمّ تصغيرها فستشكّل بدون أدنى شك الجزء الأساسيّ، بما أنّ عمق الميناء ومدخل المدينة هما اللّذان يشكلان أجزاء السّور الأساسية. وأنا أعتقد أن هذا مهمّ جدًّ

- Silence

- يلاحظ المطلّع فترتين زمنيتين متتاليتين مرئيتين للمطلعين في هذه المتاهة من الأساسات والجدران. الفترة الإغريقيّة المعروفة بفترة ماسيلا والفترة الرومانيّة المعروفة بفترة ماساليا

- الفترة الإغريقية، كما يمكن رؤيتها على الأرض، المتمثلة في الأسوار ذات الفتحات، خاصّة تلك التّي تتراوح بين القرن الثاني والثالث قبل حقبتنا

- بينما تتمثل الفترة الرّومانية في الميناء وكذلك السّور الثاني الذّي بُني لدعم السّور الإغريقيّ. تفصل 7 قرون تقريبًا بين الفترتين

- لكن خلال سبعة قرون لم يتغيّر الشكل المعماريّ كثيرا على عكس عصرنا حيث تتغيّر الأمور بشكل سريع

- ؟لدينا انطباع بصرف النّظر أنّ الحجارة قديمة نوعًا ما أنّه نفس الأسلوب المعماريّ ونفس طريقة البناء، أليس كذلك

- بالتّأكيد، فلقد كانت تستعمل آلات بناء ضخمة. فالحجارة المستعملة كانت في شكل كتل كبيرة الحجم

- ربّما كانت أصغر قليلاً في العهد الرّومانيّ مقارنة بالعهد الإغريقيّ، لكنّ هذا الفرق لا يذكر إذا قمنا بمقارنة المعمار في عصرنا

- إذًا قد تمّ حفظ هذه الحجارة بشكل جيّد. أعتقد أنّكم حاولتم ترميم بعض الجدران، أي أنّكم حاولتم إيجاد الحجارة لإعطاء هذه الجدران أكثر أهمية.

- ؟كم يبلع ارتفاع الأسوار في البداية

- حسنًا، ما يمكن أن نقوله هو أنّ هذه الأسوار التّي هنا في الخلف كان ارتفاعها بدون أدنى شكّ عشرة أمتار. تبلغ حاليًّا ثلاثة أمتار

- كانت هذه الجدران جدرانًا عريضةً جدًّا بمّا أنّ الجدار الداخلي الذّي تمّ ترميمه تقريبًا بشكل كليّ يتميّز بقاعدة عرضها مترين

- وفي سنة 1904 عندما تمّ تشييد أولى عمارات أرض البورصة تمّ اكتشاف جدار في هذا المكان، لقد كان في حالة جيدة وبلغ ارتفاعه تسعة أمتار

- ؟إذًا فقد كانت هذه المدينة محميّة بشكل جيّد

- كانت مدينة محميّة بشكل جيّد جدًّا. لدينا هنا وبدون أدنى شكّ أحد العناصر الأساسية بالمدينة، أي أنها مدينة عليها أن تعيش حسب اقتصادها وبالتّالي عليها أن تحمي نفسها من أي غزو خارجيّ

- وعلى أطراف الميناء هنالك جدار على الرصيف نفسه. تقريبًا مثل مدن الأدرياتيكي أو بعض المدن الرّومانيّة القديمة

- ؟إذًا فالمدينة محميّة بشكل جيّد للغاية، هل لأنّها مدينة غنية، أليس كذلك

- إنّها مدينة تتمتّع بدون أدنى شكّ بإمكانيّات هائلة. ومرسيليا على خلاف المدن القديمة الأخرى لم تكن مدينة للأثرياء

- ولكنّها كانت مدينة صلبة أين كان الناس يستثمرون في المراكب والتجارة والتبادل وكلّ ما هو على نفس هذا المنوال، نعم، إنّه ثراء يجب حمايته

- Silence

- قرن الميناء هو أحد الأماكن الأكثر حيوية في هذا الجزء من المدينة. هنا يتمّ مدّ السّفن بالمياه العذبة وهنا يوجد الطّريق نحو إيطاليا، في ما بعد أصبح يعرف بطريق روما

- Silence

- إذًا فيما يخصّ هذا الميناء، لدينا انطباع بأنّ هذه مدينة مهمة وكبيرة أيضًا، بحيث أنه لا يناسبها هذا الميناء لأنّ حجمه كان صغيرًا مقارنة بحجم المدينة

- ؟وبالرّغم من ذلك فقد رست في ربوعه مراكب تبلغ من الطّول 35 متر. كيف يتمّ ذلك

- حسنًا، يمكن أن نقول أنّ هذا الميناء الذّي يصل عمقه إلى حوالي أربعة أمتار يمتدّ ويتّسع تدريجيًّا كلّما اقتربنا من البحر

- وهنا، خاصّة في آخر الميناء حيث توجد بطبيعة الحال أرصفة التفريغ. ولكن كما هو الحال اليوم، تتوزع هذه الأرصفة على مئات الأمتار وعلى طول الجدران ذات الفتحات بشكل خاصّ

- كما توجد منطقة تدعى على ما أعتقد "منطقة مدّ السّفن بالمياه العذبة"، أي أنّه كان يوجد حوض ماء عذب والبحارّة كانوا يأتون عند توقّفهم لملء البراميل بالمياه

- في الواقع يوجد في الخلف حوض ماء عذب واسع تغذّيه المياه الآتية من شرق المدينة

- ؟من "الكانابيار" في نهاية المطاف

- تتأتى المياه من "كانابيار" وتنزل من هضبة "لونجشون". ويستعمل هذا الحوض في التزود بالماء

- كما يوجد لدينا آثار عجلة ذات شفرات، هذه العجلة تسمح بتزويد جميع الوافدين والمقيمين بمرسيليا أحيانًا

- عندما يتمّ الانتظار لوقت طويل للدّخول إلى المدينة خاصّة في حالة وجود مشكل صحيّ

- إذًا فإنّ المدينة لا تتوقف هنا، خلافًا لما كنّا نتصوّر لوقت طويل

- توجد أجزاء أخرى مهمة في اتجاه الشّمال وفي اتّجاه الشّرق، توجد كذلك أحياء هامّة، هو هدف الكرملية، إلخ التي يتم هدمها حاليًّا وحيث وجدنا العديد من الأشياء

- نعم، بالطبع! يمكن أن نقول أنّ تلّ الكرملية جزء من المدينة الأولى، المدينة ذات الطّابع النّموذجيّ القديم

- لكن بغضّ النّظر عن ذلك، وجد عدد من العناصر التّي كانت تستعمل في الدفن وتوابيت وتسجيلات ومنحوتات بالقرب من ممرات ليون جامبيتا، مثلما نجد في سانت فكتوراي

- ومثلما نجد أبعد من ذلك على الطريق التي تؤدي إلى إيطاليا على طول الساحل

- Silence

- عمليات التنقيب التّي استمرت لحوالي 10 سنوات أثمرت اكتشافات رائعة مثل اكتشاف جزء من مركب ستمنحه الترميمات حياةً خالدةً

- وجد المختصون طريقة رائعة، وهي التجفيد التّي بواسطتها يتم نزع الرطوبة من الخشب

- سيعود هذا المركب تقريبًا إلى حالته الأصلية وسيكون أهمّ قطعة في متحف تاريخ مرسيليا الذّي سيتمّ افتتاحه خلال نهاية العام بالطابق الأرضي لمركز البورصة

- Silence

- إنّه جدير بالذكر أنّ هذا المتحف أخذ مكان دار الثّقافة التّي كان من المخطّط افتتاحها في هذا المكان قبل بدأ الأشغال، وهو متحف يتكوّن من جزء عبارة عن فضاء مفتوح

- وهو الجزء الماثل هنا والذي هيّأته سلطة الإشراف بالمدينة. كما يتكوّن أيضًا من جزء مغطّى يتمّ فيه تنظيم كل هذه الأنشطة

- التّي تتمثّل في نماذج وعرض القطع الأثرية وتمثيل مشاهد الحياة القديمة

- لا يسمح هذا العرض فقط بإعادة الحياة إلى مدينة مرسيليا القديمة، تلك المدينة العظيمة، بل في نفس الوقت يسمح بعرض ما عليه مرسيليا اليوم بشكل مواز. مرسيليا مازالت مدينة كبيرة

- أي أنّنا أمام مزاوجة بين هذه المدينة الألفيّة ومرسيليا الحديثة التّي تعيش العام 2000 والتي شهدت تحولات طيلة سنوات عدّة أعطتها صورةً مدهشةً تمامًا

- Silence

- حديقة الآثار، تم انهاؤها منذ ثلاثة أشهر تقريبًا. تمّ التعامل معها بكلّ دقّة ولقد تحولت بسرعة إلى منتزه وإلى مكان للاسترخاء وتفكير يزوره العديد من سكّان مدينة مرسيليا

- أنا من مرسيليا. نعم، نعم، نعم. من سكّان مرسيليا، نعم

- ؟إذا هل تشعرين بإحساس خاصّ عندما ترين هذه المدينة القديمة

- نعم، هذه المدينة القديمة التّي تمّت العناية بها جيّدًا والتّي أجدها خلاّبةً

- ؟إذا تأتين إلى هنا للتّنزه

- آتي إلى هنا كلما كانت لدي بعض الأعمال لإنجازها، أتوقف قليلاً هنا. يساعدني هذا الأمر على التّخلّص من ضغط الحياة وتمنحني مشاهدة هذا المشهد سعادةً عارمةً

- SIlence

- في الواقع يتذكر بعض سكّان مدينة مرسيليا الحيّ الذي امتدّ طيلة 50 سنة في هذا المكان الذّي يقطعه الطريق الرومانيّ

- الذّي واكب مرور مواكب القيصر وبالطبع مرّ بتقلبّات عدّة ليصل في النّهاية ليلعب دور الحديقة العامّة الملطّفة

- هو حيّ يشبه المتاهة بأزقته القديمة المنحصرة بين جدارين. ويضمّ شوارعًا ضيّقةً ولكن مليئة بالروائع التاريخية

- فلدينا هنا مثلاً كنيسة سانت مارتن أين تمً تعميد دوميي. في الخلف، لدينا شارع بيار كي راج، الذي تمًت ترجمته بشكل غير مناسب، فهو عبارة عن ينبوع ماء كان في القدم يستخدم لتغذية الحوض بالماء

- هذا الينبوع الذّي شهد حتمًا ذكريات أحد أحياء اليهود

- لدينا أماكن ومناظر متعددة لمدينة مرسيليا: الشارع المستوي هناك، نعم الشارع المستوي الذي كان طيلة زمن طويل مخرج المدينة القديمة إلى إيطاليا بما أنّه في هذا الوقت يتمّ استعمال شارع أوبانيي

- نعم بما أنّنا هنا على هذا الطريق المرصوف نكون على الطريق المؤدية إلى إيطاليا

- نحن على الطريق نحو إيطاليا. لدينا بابان. باب إيطاليا هنا وباب جوليات

- لكن من هنا يمكن الخروج نحو إيطاليا لكن بالمرور عبر شارع أوبانيي ثمّ شارع نوتردام دو مونت الذّي كان مهجورًا ثمّ شارع بريكاي الذّي هو شارع لودي حاليًّا

- ثمّ شارع فانسون وثمّ شارع طولون الكبير. لم يتمّ الربط مع شارع طولون الكبير إلاّ في سنة 1865

- ؟توجد العديد من أسماء الشّوارع الغريبة. هي الشّوارع السّاخنة نوعًا ما

- تمامًا الشوارع الساخنة! مثلاً شارع رصيف الحبّ. كان هناك الشّارع الذّي سميّ بشارع رصيف الحبّ لأنه كان شارعًا ذا سمعة سيئة أو سمعة جيدة كما يمكن القول، شارع رصيف الحبّ

- لدينا شارع روكوي نوفي الذي يضمّ ذكريات أحد الشعراء الغنائيين القدامى. ولدينا شارع الهرم الذّي شهد ذكرى مأساويّة

- تلك الذكرى هي ثورة 1661 وثورة جلاندفاز دو نيوزال. تمّ تهريب جلاندفاز دو نيوزال ليفلت من قبضة لويس الرّابع عشر

- ثم أمر لويس الرّابع عشر بهدم بيته وتشييد هرم بحجارة البيت. وهذا الهرم... رغم أنه قد تمّ العفو عن جلاندفاز دو نيوزال، بقي اسم شارع الهرم

- كما شهد القرن الرابع عشر في كنيسة سانت مارتن جريمة قتل شنيعة حيث قتل أحد الكهنة طلبته. كانت قصّة قديمة لجريمة حدثت بمرسيليا. توجد العديد من الأشياء التّي شهدها هذا الحيّ

- ؟لكنّ هذا الحيّ لم يكن محظوظًا لأنّه قد تمّ هدمه عديد المرّات. كانت آخر مرّة بعد الحرب

- إذا المرّة الأخيرة، كانت سنة 1937. تمّ البدأ في هدمه في سنة 82 لأنّه عندما ؟؟؟؟بداية من شارع كولبار. ثم بعد ذلك في سنة 1912 تمّت إزالة بعض الأجزاء عندما تمّ تشييد مدرسة الأطفال

- التّي في الخلف، حينها تمّ اكتشاف جدار كريناس الذّي كان أولى الآثار التّي يتمّ اكتشافها

- ثمّ في النهاية تمّ تشييد أسوار من حوله طوال عدّة سنوات ولم يتمّ هدم الحيّ تمامًا إلاّ في سنة 1937 الذّي بقي بعد ذلك على حاله طيلة

- طبعًا كانت هناك حديقة تاسو أيضًا التّي كانت حقًّا حديقةً جميلةً للغاية

- مع ينابيع... لكن في الواقع لم يدم هذا طويلاً، لم يكن لهذه الحديقة حظّ وافر

- ليس لها حظّ. لا لم يكن لها حظّ

- لقد اختفت بشكل سريع. حتّى أنّها كانت في فترة ما مكانًا مخصّصًا لوزارة الإسكان. كانت حقيقة رهيبة. نعم. نعم استغرق الأمر في الواقع ما بين 1965 و1970 حتّى

- نعم، بقيت تستغل كمأوى طوال فترة طويلة. حتّى أنّه يمكن أن نرى مكان الأشجار بالمأوى التّي تستذكر الأماكن القديمة إذا صحت العبارة

- نعم، نعم، نعم. إذًا كيف ترى الآن مثل هذه الأشغال؟ هل بالنسبة لساكن من سكّان مرسيليا متقدّم في السّن مثلك

- في الحقيقة، في الحقيقة... في البداية أحسست بالخوف. أنت تعلم أنّني لست نادمًا على الحيّ القديم. باستثناء بعض الأشياء، لم يكن هناك أي شيء تاريخي

- تواجدت بعض الذّكريات التّي يمكن روايتها لكن في المقابل أنا أرى هنا أن الأمر جيّد وأنّنا أعطينا للمكان قيمةً جيدةً

- Silence

- – من المهمّ الآن التّعلّم من هذا الماضي الغنيّ بالأحداث الصّاخبة

- بقيت مدينة مرسيليا قبلة للشّعوب والأعراق والحضارات والثّقافات طيلة 2800 سنة حيث رست سفينة مصريّة يقودها ربّان وسيم إسمه بروتيس في سواحلها

- أمّا باقي الرّواية فنعرفها جميعًا. سواءً كانت تاريخًا أو أسطورةً، فإنّ النّتيجة ظاهرة للعيان. تتمثّل مهمّتنا في الحفاظ على الذّكريات ولما لا أن نفتخر بها

- Silence