الطوبوغرافيا المقدّسة والتصوّر الوطني والسياحة الدينية في الأردن

مقدمة

 

لم يُستخدم مصطلح السياحة رسمياً بمفهومه الحالي سوى مؤخراً. ومع ذلك، فهو يعبّر عن نشاط ينظّم على شكل صناعة مع تطوير السفر المنظّم بمبادرات من أفراد أمثال توماس كوك. ومنذ أواخر القرن التاسع عشر، مسافرون غربيون كثر ذرعوا الأرض ذهاباً إلى شرق الأردن المعاصر وإياباً بحثاً عن المواقع الأثرية القديمة والتوراتية وهي محط اهتمامهم. وبذلك، يمكن القول إن تطوّر السياحة في الأردن وثيق الصلة بالاكتشافات الأثرية التي شهدتها أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين وبتطور علم الآثار التوراتي في الحقبة ذاتها. وتمّت زيارة المواقع الدينية والأثرية التي تعود إلى زمن غابر وتثمينها. ومنذ الثمانينيات من القرن المنصرم، وضع الحكم الهاشمي والدولة يدهما على التراث وبات تطوير النشاط السياحي في البلد هدفاً أولياً للحكومات المختلفة لأسباب هي بالدرجة الأولى اقتصادية وسياسية. وكُثّف نشاط القطاع السياحي على يد وزارة السياحة والآثار.
 
أما مصطلح التراث فيكتسي تعريفاً خاصاً به في الأردن. فمنذ صياغة قانون الآثار الأول في العام 1923، ضم تحت عباءته جميع المواقع التي تعود للحقبة السابقة للعام 1700 (B. Porter, N. B. Salazar, 2003:364).. وكان من شأن هذا التحديد الزمني أن أدرج الآثار المتعلقة بالتراث تحت خانة "التراث"، خلافاً للآثار الأقدم التي اندرجت تحت خانة "التاريخ". ولكن الواقع على الأرض يتنافى مع هذه التسمية الرسمية. ويقع اللبس بين التراث والتاريخ في الوثائق والصحف الرسمية. ومن جهة أخرى، يعبّر هذا التعريف عن منظور الدولة للتراث ولكنه لا يرقى بالضرورة إلى نظرة السكان المحليين له. وفي هذا الإطار، تتمتّع الأماكن المقدّسة المسيحية والإسلامية بوضع خاص إذ إن أغلبية الأماكن المقدسة المسيحية المُجدّدة أو التي دخلت حديثاً في التراث تديرها وزارة السياحة والآثار، علماً أن جزءاً منها هو تحت وصاية السلطات الدينية المسيحية، في حين أن الأماكن المقدّسة الإسلامية هي تحت وصاية وزارة الأوقاف. وعلى أثر هذا التقسيم، نتج اختلاف كبير بين المواقع الأثرية على صعيد إدارة تراثها. هذا وبات من المهمّ التمييز اليوم بين التراث المادي وغير المادي، وقد أعادت المجتمعات المحلية وضع يدها على جزء كبير من هذا الأخير بدليل تطوّر الجمعيات المحلية ومنها جمعية "بيت الأنباط" في بترا التي تجمع الخطابات التاريخية الشفوية في مدينة وادي موسى.
 
 

بعد تأسيس إمارة شرق الأردن ومن بعدها المملكة الأردنية، حملت الملك عبد لله الأول طموحات عربية واسعة فلم يكن يسعى لتثمين تراث أردني بحت. واستمرّ طموح الهاشميين العربي ليتضارب مع القومية الإقليمية الفلسطينية. وفي سياق الصراع مع هذا المكوّن الجديد من النسيج الأردني تبلورت تدريجياً التطلعات الهاشمية لتتحول منذ العام 1985 إلى قومية إقليمية أردنية بحتة. وتتيح دراسة بالمقارنة للعملية تحويل المواقع المقدسة المسيحية والإيلامية إلى تراث فهمَ فحوى إعادة كتابة التاريخ القومي على نحو متعاقب أو متزامن وتحليل السياسات التراثية التي تؤطر هذه الكتابات. ومنذ الثمانينيات، وفي حين أن المواقع المسيحية هي وريثة علم الآثار التوراتي وأن قراءاته للإقليم تغطي الأردن المعاصرة، يهدف تحويل الأماكن المقدسة الإسلامية إلى تراث إلى جعلها محرّكاً للامتداد الإقليمي بين القدس ومدن الحجاز المقدّسة. وتجدر الإشارة إلى أن وزارة السياحة والآثار تتعاون بشكل وثيق اليوم مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية التي أكّدت في السنوات الأخيرة على ضرورة تعزيز السياحة الدينية والسياحة المتصلة بالتراث. وتعتبر دراسة النشاط السياحي هنا أداة فعالة لفهم المواقع التي نالت أولوية في عملية تحويلها إلى تراث. ويستند هذا العمل على أرشيف التلفزيون الأردني والمقابلات التي أجريت في الأردن مع وزارة السياحة والآثار ووزارة الأوقاف، وبذلك فهو يرمي إلى إبراز مراحل تعزيز قطاع السياحة منذ الستينيات. فكيف تطوّرت السياحة الدينية في البلد؟ وما هو التصوّر التاريخي الوطني الذي يروّج له الإعلام والهيئات العامة المُناط بها تنمية السياحة، وكيف تطوّر هذا التصوّر منذ الستينيات وحتى أيامنا هذه؟ وكيف خلقت الثمانينيات قطيعة على صعيد هذا التصوّر الوطني؟

مقدمة

I علم الآثار التوراتي، السياحة:...

II السياحة الإسلامية، إعادة كتا...

الخاتمة

المراجع

المراجع الإلكترونية

ملخص

لم يُستخدم مصطلح السياحة رسمياً بمفهومه الحالي سوى مؤخراً. ومع ذلك، فهو يعبّر عن نشاط ينظّم على شكل صناعة مع تطوير السفر المنظّم بمبادرات من أفراد أمثال توماس كوك. ومنذ أواخر القرن التاسع عشر، مسافرون غربيون كثر ذرعوا الأرض ذهاباً إلى شرق الأردن المعاصر وإياباً بحثاً عن المواقع الأثرية القديمة والتوراتية وهي محط اهتمامهم. وبذلك، يمكن القول إن تطوّر السياحة في الأردن وثيق الصلة بالاكتشافات الأثرية التي شهدتها أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين وبتطور علم الآثار التوراتي في الحقبة ذاتها...

كاتب

Neveu Norig
استاذ جامعي مختص في التاريخ الحديث Université d'Aix-Marseille, TELEMME MMSH