نابولي: مناظر، تراث، سياحة.

مقدمة

يبلغ عدد سكّان كومونة نابولي، القائمة على ضفاف خليج ذات طبيعة خلّابة يُشاد بجمالها منذ القدم، حوالى المليون نسمة. شواطئها ومناظرها البحرية فَتَنت المسافرين من كافة أنحاء القارة القديمة على مدى قرون، حيث خطف جبل فيزوف Vésuve في القرن الثامن عشر الأضواء من منطقة كامبي فليغري Champs Phlégréens البركانية التي كانت مركز اصطياف بالنسبة إلى الرومان القدامى نظراً لعناصر الجذب فيها والمتمثّلة بالآثار القديمة والظواهر الطبيعية المذهلة. وإلى جانب "روائع الخليج"، خليج سورينتو Sorrento وشاطئ جزيرة كابري Capri، ومدينتي بومبي Pompei وهيركولانيوم Herculanum الأثريّتين اللتين طُمرتا بعد ثورة بركان فيزوف الشهيرة في العام 79 للميلاد، يكتشف الزائر إلى المدينة وسطاً تاريخياً كبيراً مدرجاً على لائحة التراث العالمي لليونيسكو منذ العام 1995، يضمّ آثاراً معمارية وفنية وثقافية عائدة إلى مختلف المجتمعات التي ازدهرت فيها على مرّ تاريخ حافل ومتقلّب امتدّ على 2700 عام.   
 
و"السياحة" في نابولي ليست ظاهرة حديثة العهد، إلّا أنّ الاكتشافات والاهتمامات المتجدّدة، سواء أعلى المستوى علم المعادن أم علم البراكين أم علم الآثار أم الإثنوغرافيا أم الفنون، لطالما كانت تُنعش ميل السوّاح الأوروبيين وفضولهم لاستكشاف هذه الأماكن، بحيث ساهموا إلى حدّ كبير في صياغة ونشر صور نمطيّة وأفكار شائعة لا يزال وصف هذه المدينة إلى الآن يستند إليها.
 
الجدير بالذكر أنّ اليونانيين والرومان والبيزنطيين والنورمانديين والسويبيين والأنجفيين والأراغونيين والإسبان والبوربون كانوا قد تعاقبوا على حكم نابولي قبل أن تصبح جزءاً من مملكة إيطاليا الموحدة، ولا تزال فيها إلى اليوم آثار منقوشة في الحجر من كلّ من تلك الحقبات التاريخية التي مرّت عليها (وذلك بكميات وأحجام مختلفة، وذات قيمة فنية متفاوتة). في هذا السياق، يتميّز وسط المدينة التاريخي بتراث أثري وفنّي بارز يتضمّن آثاراً يونانية ورومانية، ومئات الكنائس والأديرة الأثرية التي عمل على زخرفتها فنّانون مرموقون، بالإضافة إلى مساكن ملكيّة (منها القصر الملكي وقصر كابوديمونتي الملكي Reggia di Capodimonte الذي تحوّل إلى متحف وطني)، وعدد من الـ"بالاتزي"، التي هي عبارة عن أبنية مميّزة يعود تشييدها إلى عصري النهضة والباروك، وهي من بقايا طبقة النبلاء التي كانت تعيش في المدينة، والفيلّات والحدائق التي تطلّ على موقع طبيعي رائع. وفي مقابل هذا الطابع الأثري، شهدت نابولي اكتظاظاً سكانياً منذ القدم بعد تسجيل أعدادهم نمواً ملحوظاً اعتباراً من القرن السادس عشر، ما نجم عنه بناء عدد كبير من المساكن غير الصحية ونسبة ملحوظة من المساكن الشعبية الفقيرة في العصر الحديث، إلى جانب الكثافة السكّانية الشديدة وحركة المرور القوية، التي مازالت تطبع صورة المدينة بشدّة. 
 
كما لا بدّ من الإشارة إلى أنّ جزءاً من موارد التراث في المدينة قد تعرّض لأضرار، أو حتّى للدمار، نتيجة عوامل متعدّدة أبرزها عمليّة إعادة التأهيل الكبيرة، أواخر القرن التاسع عشر، المعروفة باسم Risanamento، والتي قضت على الأحياء الفقيرة القروسطية؛ والقصف إبّان الحرب العالمية الثانية؛ وحتّى الزلازل المتكرّرة كذلك الذي ضربها في العام 1980. ولكن، من الناحية الهيكلية، فإنّ عدداً كبيراً من الأبنية في الوسط التاريخي مهجورة وفي حالة خراب. من جهة ثانية، يتواصل التنديد بسلسلة أعمال تشهدها المدينة كتحويل المجمّعات الأثرية إلى مساكن فقيرة، والخراب اللاحق بأبنية ذات قيمة فنية وتاريخية عالية، وصعوبة الدخول إلى بعض الكنائس التي غالباً ما تكون أبوابها موصدة، وسرقة الأعمال الفنية، والتي هي محلّ نقاش عام موسّع، علماً بأنّ جمعيّات كثيرة تتحرّك على نحو منتظم من أجل حماية الثروات الفنية والتراثية التي في وسط المدينة وتعزيز قيمتها. وفي 12 حزيران/يونيو 2012، وقّع الاتّحاد الأوروبي اتّفاقاً مع إقليم "كامبانيا" Campanie ووزارة التراث الثقافي الإيطالية لتمويل ترميم الآثار الأكثر عرضة للخطر في الوسط التاريخي.  

مقدمة

I- عناصر الجذب السياحي وتكوّن ا...

II- تكوّن التراث الفنّي والمعما...

III- المحافظة والحماية والتحوّل...

قائمة المراجع

ملخص

يبلغ عدد سكّان كومونة نابولي، القائمة على ضفاف خليج ذات طبيعة خلّابة يُشاد بجمالها منذ القدم، حوالى المليون نسمة. شواطئها ومناظرها البحرية فَتَنت المسافرين من كافة أنحاء القارة القديمة على مدى قرون، حيث خطف جبل فيزوف Vésuve في القرن الثامن عشر الأضواء من منطقة كامبي فليغري Champs Phlégréens البركانية التي كانت مركز اصطياف بالنسبة إلى الرومان القدامى نظراً لعناصر الجذب فيها والمتمثّلة بالآثار القديمة والظواهر الطبيعية المذهلة. وإلى جانب "روائع الخليج"، خليج سورينتو Sorrento وشاطئ جزيرة كابري Capri، ومدينتي بومبي Pompei وهيركولانيوم Herculanum الأثريّتين اللتين طُمرتا بعد ثورة بركان فيزوف الشهيرة في العام 79 للميلاد، يكتشف الزائر إلى المدينة وسطاً تاريخياً كبيراً مدرجاً على لائحة التراث العالمي لليونيسكو منذ العام 1995، يضمّ آثاراً معمارية وفنية وثقافية عائدة إلى مختلف المجتمعات التي...

كاتب

ماران بريجيت
استاذة جمة"ايت بجامة"ات ايكس- مرسيليا، مختبر TELEMME، MMSH